الوصف
إن المجلدات التي تتناول العقل والمخ تغطي أرفف أكشاك المطارات والمكتبات من مدينة فينكس إلى مدينة فيلادلفيا، ويمكن تقسيم الكتب المتوافرة عن المخ إلى فئتين: تقارير أبحاث وتطبيقات عملية. تنتمي نصوص علم الأعصاب إلى الفئة الأولى، بينما تنتمي الكتب الإرشادية (مثل كيف تعزز ذاكرتك؟ كيف تعزز إبداعك؟) إلى الفئة الثانية.
وهذا الكتاب هو نتاج تداخل واضح بين هاتين الفئتين. إن كتب الأبحاث عمومًا ترفض أن تجزم بقابلية نتائجها للتطبيق اليومي – وبالفعل، هذا ليس الغرض منها، كما تتجنب الكتب العملية عادةً الصلة الواضحة بين النصيحة وأساسها البحثي. أما هذا الكتاب، فالغرض منه هو جمع هذين النوعين من الكتب معًا ليصبحا فئة واحدة بأن يقول: «إليكم ما نعرفه عن تخزين الذكريات بالمخ، وإليكم الطريقة التي يمكن أن تساعدنا بها تلك المعرفة على تحسين تذكرنا للمعلومات». عندما حضرت المؤتمر الذى أقامه إيريك جينسن عن المخ بمدينة سان دييجو، كان قد صنف الخطباء إلى ثلاث فئات: باحثين وممارسين ومفسرين؛ وأنا أرى أنني أنتمي إلى الفئة الأخيرة – مفسر، شخص يتابع الأبحاث ويفسر قدر ما يحتاج إليه الممارسون.
لماذا أعتبر نفسي هكذا!؟ لست أكاديميًّا عليه إما أن يصدر كتبًا أو يفنى، ولا مؤلفًا موهوبًا بالفطرة يمتلك دافعًا لا يُقاوم لأن يبدأ التأليف (أو بتعبير أكثر ملاءمة، أن يبدأ النقر على لوحة المفاتيح). إذن لماذا ألفت هذا الكتاب؟ ثمة قصة ستفسر هذا.
طوال حياتي، اعتبرت نفسي أشبه بهاوٍ ذي تشكيلة واسعة من الاهتمامات؛ لكن هذا تغير في ربيع عام ١٩٨٨، عندما قرأت كتابًا لـ «مورتون هانت» بعنوان The Universe Within. إن «هانت» مبسط للعلوم قدَّم العلوم المعرفية والمنهج متعدد التخصصات لفهم طرق عمل العقل – الدماغ للعَالَم القارئ باللغة الإنجليزية. كان كل فصل من فصول كتابه يلخص الأبحاث التي أُجريت في مجال ذي أهمية بالنسبة لي: حل المشكلات، الإبداع، نظرية التعلم، وهكذا. رائع! لم أعد هاويًا، بل أصبحت عالمًا معرفيًّا؛ لذلك، بدأت أقرأ كل ما استطعت إيجاده مما يتعامل مع هذا المجال الجديد (الذي وصفته في الفصل الأول)، واكتشفت أن المؤلفات العلمية الممتدة في أبحاث المخ تقدم لي أساسًا لهواياتي التطبيقية.
لذلك، بدأت في ديسمبر عام ١٩٨٨ أخدم فترة بلجنة برنامج الفرع المحلي للجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير (المعروفة اختصارًا
بـ ASTD)، ولقد طلبت اللجنة اقتراحات لبرنامج للاجتماعات الشهرية عام ١٩٨٩؛ لذا اقترحت أن نجلب متحدثًا عن موضوع العلوم المعرفية. بعد الاستماع إلى مبرري، وافقوني الرأي بأن الفرع المحلي سوف ينتفع من مثل هذا البرنامج، وطلبوا مني أن أجد متحدثًا، ولقد تمكنت من العثور على متحدثين باهظي الأجر وذوي منهج عملي، أو متحدثين رخيصي الأجر ولكن ذوي منهج نظري، لكنني اضطررت لإبلاغ اللجنة بأنني لم أستطع العثور على أحد يمكننا تحمل تكلفته مستعد لتقديم برنامج تطبيقي لمجموعتنا. وزعمت، ووافقوني الرأي، أن المتحدثين ذوي المنهج النظري سيكونون مثار استهزاء واستهجان من الحضور ونتيجة لذلك، سألوني: «بيرس، لمَ لا تقدم أنت البرنامج؟» فوافقت.