الوصف
في روايته الحلو الهارب الى مصيرة، يُرينا وحيد غانم تلك السكين الحادة، السكين الباردة التي لا تعتني بثنائية الظلم والعدالة، بل بالرغبة وحدها، باعتبارها محركاً خشناً يسحق كل شيء، ليس هذا وحسب بل يعرض أمامنا مشاهد الألم نفسها حتى نشعر ان الصرخة تتسلل الى نفوسنا، يعرض كذلك صور العنف والهشاشة قبل أن يأخذنا في رحلة هي أشبه بزيارة لمدينة من تلك التي خلقتها الرؤية الدستوبية المتوحشة، إنها المدينة التي نتحاشى الحديث عنها امتثالاً للسكينة والركود المريح، لكنها مدينة موجودة برغم ذلك، ولابد لنا أن نصادفها يوماً ما، وسوف يكون رفيقنا حينها، سوء الحظ. وعبر أزقة وأحياء بغداد والبصرة يقدم لنا السارد عبر عينه الكاشفة، مشاهد مروعة.
عن الحياة المبتذلة، عن أربعين عاماً من العذابات ورائحة الدم والحب أيضا، عن الهزائم التي تتحوّل الى فجوات في الداخل، وعن الانتصارات الوهمية، عن الجمال الذابل، والعواطف المقموعة.
والحقيقة أن هذا العمل كما أرى هو من أجمل الأعمال الروائية العراقية التي قرأتها خلال حياتي، نص يتسم بالوحشية والصلف والوقاحة واللامبالاة بالقوانين، نص متمرد على الزيف، لكنه أيضاً يحمل في نسيجته السردية صدقاً وجرأة وتمريناً شاقاً للوقوف أمام العريّ، نص يبحث عن حقيقة النفس البشربة المليئة بالذنوب، عن الضحية والذئب، عن الشهوة المدمرة، عن الرؤية الأخلاقية، الرؤية التي يرافقها سكين طوال السرد، يلمع لكنه سكين هو أقرب الى مشرط الجراح.
وحيد غانم يفتح في هذه الرواية، كثيمة أساسية ملف المثلية بالكامل، ملف متشعّب صادم ربما، يٌدخلنا فيه أيضاً الى البيوت المشبعة برائحة المني والبذاءات والأجساد المشتعلة بالرغبة والقهر والإنكسار، يبعثر الأوراق كلها ثم يخلطها مع ملفات أخرى، ليُظهر لنا عالمِ الجريمة المليء بصورالقسوة، العنف والهروب من الماضي، الماضي الذي لا يترك الشخصيات هنا لفتح صفحة جديدة في سيرتهم المنهكة، إنه يطاردهم في كل مكان ويدفعهم الى ارتكاب المزيد من التحولات البشعة، كل الشخصيات هاربة من مصائرها، وليس الحلو وحده.